-A +A
عبدالله السلطان
لقد ابتليت المجتمعات بمختلف الفئات، ومن هؤلاء المتعالم الذي يدعي العلم والمعرفة. تجد هذا النوع يتكلم في مختلف المجالات.. ومن البساطة ملاحظة أن إنسانا ما متعالم، إذ يتضح ذلك من كلامه وسلوكه، فهو يعتقد بأنه أذكى وأقدر من غيره، وأن باستطاعته معالجة الأمور الشائكة، وأنه متمكن من حل كل المشكلات. كما يعرف هذا المتعالم بادعائه أنه يعرف كل شيء معتمدا بذلك على قدرته في الكلام والتعبير المبالغ فيه عن أي شيء تقريبا. وإذا ما تطرق لموضوع ما جعل يتكلم فيه كما لو كان عالم زمانه، أي كما يقال «العالم العلامة والفاهم الفهامة» أو كأنه «النابغة الذبياني» (شاعر الملوك في الجاهلية ومن فحول شعرائها).
المتعالم يريد أن يظهر أمام من يتحدث معهم على أنه ذو عقل كبير، وأنه العالم والعارف الوحيد، وأنه أعلم من غيره، يزهو بنفسه ويفتخر بها لدرجة الغرور. والمتعالم في الحقيقة جاهل غبي يرى نفسه غير ما يراه الناس. وإذ يحب نفسه فهو يحب المدح ويهتم بنظر الناس إليه بإعجاب، ويرغب سماع كلام المدح والإعجاب بشخصه والثناء عليه ولا يهمه في الحقيقة مقدار ما يعرفه هو أو ما يقوم به من عمل، إنما يريد التواجد والظهور ويحرص عليهما، لذلك فهو لا يتردد عن مقاطعة الآخرين لأنه يحب أن لا يعلو صوت على صوته، فيكثر في كلامه من تكرار كلمة «أنا».

يجعل المتعالم من نفسه ناصحا ومفتيا بأمور لا يفقهها بل ويخطئ فيها، لكنه لا يقبل النصيحة من أحد. يناقش ويبحث في مواضيع أكبر من أن يعرفها ومع ذلك ينتقد فيها ولا يراعي سياقاتها، ويتعالى على من هم أفضل منه معرفة وعلما، ويشكك في مقدرتهم، ويعمل بمبدأ «خالف تعرف». ولتغطية جهله يعارض وينفي بخبث الكثير من الأمور المتعارف عليها متظاهرا أنه الأفهم والأعرف من غيره تقريبا في كل شيء. وإذا ما أراد كسب ود أحد عمل بمضمون بيت الشعر التالي:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب.
ومشكلة هذا النوع من الناس أنه رغم كونه جاهلا ولا يعرف إلا القليل، ومعلوماته ضحلة وسطحية، فهو لا يعرف أنه كذلك ولا يعترف بما يصدر عنه من أخطاء نتيجة جهله أو تسرعه بل يجادل ويتغطرس ويقاطع حديث الآخرين ويتصدى لآرائهم. ولحماقته يعلي صوته عليهم، ولا يتحمل نقدهم أو مخالفتهم له بالرأي، بل يثيره ويستفزه ذلك، مما يجعله يصدر الاتهامات لكل من يخالفه. وقد يدري أو لا يدري عن جهله وحماقته. وقد أصاب الشاعر بقوله:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
وللمتعالم نصيب مما نسب للخليل بن أحمد الفراهيدي الدوسي عن أنواع الرجال:
فرجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عالم فاتبعوه.
ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك غافل فأيقظوه.
ورجل لا يدري ويدري أنه لايدري، فذلك جاهل فعلموه.
ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك أحمق فاجتنبوه.
نتيجة جهل المتعالم هي أنه لا يدرك أن العالِم الحقيقي هو على النقيض منه، فإنه يعرف الكثير ولكنه مع كثرة وغزارة علمه ومعرفته يدرك أنه لا يعرف إلا القليل، لأن مجالات العلم واسعة، والعالِم إن سئل ولم يعرف الإجابة يقول: «لا أعرف»، وكلمة «لا أعرف» يقيمها ويزنها أهل العلم «بنصف العلم»، والله تعالى يقول: «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الإسراء 85)، كما يقول تعالى: «...وفوق كل ذي علم عليم» (يوسف 76).
وخلاصة القول فإن المتعالم يمثل عبئا على نفسه وعلى مجتمعه، وإذا ما كبرت فئة المتعالمين في أي مجتمع فتوقع مزيدا من الخراب والإفلاس فيه .. والله أعلم.